الشباب و الصلاح
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الشباب و الصلاح
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..من
يهده الله فلا مضل له ..ومن يضلل فلن تجد له
ولياً مرشداً ..وبعد
أيها
الأحبة :_
إن
حديث اليوم هو عن أعظم عمل بعد التوحيد كلف به
الأنبياء وهو الصلاة ، فإنها من خير أعمالكم ،
وهي خير موضوع كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم فلهذا لا غرابه
أن يخصص له حديث : ويدندن حوله المتكلمون
لأنها سراج للقلب والروح الى بارئها جلى وعلى
.
أولاً..
تمهيد :-
إن
من عظيم نعمته تعالى وهو الواحد الأحد الصمد
أن يجود بعليائه على ذلك العبد الفقير فيبسط
يده إليه ويأذن له بذكره وشكره وحسن عبادته
وسؤاله ، مجرد الإذن كما قال تعالى (( في بيوت
أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه )) فإن مجرد
إذنه لنا بأن نذكره وندعوه هو نعمة عظمى ..
فكيف وقد أمرنا بذلك وأوجبه علينا ، وجعل لنا
عليه الأجر العظيم . إنه سبحانه يفتح أبوابه
لعباده دون أن يجعل بينه وبينهم وسيطاً (( وقال
ربكم إدعوني أستجب لكم ، إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) .
والدعاء ضربان :
الأول
:_
دعاء عبادة : كالصلاة
والقرآن والذكر والتسبيح ، فهذا دعاء عبادة
له تعالى .
الثاني
:- دعاء مسألة
، أي أن تسأل الله تعالى وترجوه فيما تريد
وتحب من خيري الدنيا والآخرة ، وذكره تعالى هو
في حقيقته دعاء لإنك إن أثنيت عليه تعالى
بأسمائه وصفاته فأنت تتعرض له بالسؤال ، فإذا
قلت اللهم لامانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت
ولاينفع ذا الجد منك الجد فكأنك تقول اللهم
لامانع لما أعطيت فأعطني ولا معطي لما منعت
فلا تمنع عني فضلك ولاتحرمني بذنوبي ، ولا
ينفع ذا الجد منك الجد فأغنني بفضلك عن سواك .
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا
أثنى عليك العبد يومًا
كفاه من تعرضه الثناء
إنه
تبارك وتعالى ينزل في ثلث الليل الآخر فيقول
لعباده : هل من سائل ؟ هل من داعي ؟ هل من
مستغفر؟ هل من تائب ؟
لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسأل يغضب
((
ياابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني إلا غفرت لك
على ماكان منك ولا أبالي ، ياابن آدم لو بلغت
ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك
ياابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم
لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها
مغفرة )) حديث قدسي –
ثانياً
:_صفات وأسماء وفضائل ..
هذه
الصلاة شأنها عظيم .. ولماذا أتكلم أنا ويتكلم
غيري وقد تكلم الرب جلا وعلا ؟! ولماذا يتحدث
الإنسان وقد تحدث سيد ولد آدم محمد صلى الله
عليه وسلم،فبيّن ما
في هذه الصلاة من الأسرار والمعاني الكبار .
فالصلاة عهد .. قال الله تعالى :- (( ونسوق
المجرمين إلى جهنم ورداً .لا يملكون الشفاعة
إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً )) .و قال صلى
الله عليه وسلم كما في السنن : - (( العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) فمن
حُرم الصلاة فقد حُرم الشفاعة يوم الحساب .
والصلاة
عبادة تصل العبد بربه تعالى ، فتجعل هذا
الضعيف الحقير الفاني المخلوق من تراب الأرض!
تجعله عظيماً لأنه موصول بالله تبارك وتعالى
(( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا
واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) .
وهي
إيمان ، وكل الأعمال بلا إيمان لا قيمة لها
ولا ثمرة قال الله تعالى : (( وما كان الله
ليضيع إيمانكم)) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس
قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة في
البيت الحرام – ولهذا
أيضاً بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك
الصلاة كفر ، فقال كما في صحيح مسلم : -(( بين
الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) وتركها أيضاً نفاق كما في قوله
عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه ((أثقل
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة
الفجر ولو يعلمون ما فيها لا توهما ولو حبواً
)).
والصلاة توبة . قال الله تعالى:- (( فإن تابوا
وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في
الدين )) وقال في الآية الأخرى : (( فإن تابوا
وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )).
والصلاة
ذكرُُ لله تعالى ، قال الله عز وجل (( إنني أنا
الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة
لذكري )) يعني لتذكرني بها .
والصلاة
طمأنينةٌ للقلب وسكينةٌ للنفس وهناء للروح ،
قال الله تعالى:- (( وصلّ عليهم إن صلاتك سكن
لهم)) .وفي حديث متفق
عليه أن أ سيد بن حُضير قام يصلي من الليل فقرأ
من سورة البقرة أو من سورة الكهف- اختلفت
الرواية –
فرأى بين السماء والأرض أمثال القناديل فجالت
الفرس حتى خشي على ولده فهدأ وسكن في قراءته
فعاد فعادت ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم : (( اقرأ يا ابن حُضير تلك السكينة تنزلت
لقراءة القرآن ، تلك الملائكة ، ولو قرأت
لأصبحت يتراءاها الناس بين السماء والأرض )) .
والصلاة
شكرُُ (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً
شكوراً )) .. بماذا كان عبداً شكوراً ؟! .. بكثرة
الصلاة .. ولهذا لما قالت عائشة كما في
الصحيحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد
أطال القيام حتى تفطرت قدماه : تفعل هذا وقد
غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال يا
عائشة أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ))
والصلاة
عونُُ للعبد على ما يعانيه ويواجهه من
المشكلات في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال الله
تعالى :-
((
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا
الخاشعين)) فالذين يواجهون مشاكل الدنيا
وصعوباتها ويتصدون لجلائل الأعمال ، خاصة من
أهل العلم ، وأهل الدعوة ، وأهل الجهاد الذين
يلقون التعب في هذه الدار ، ويواجهون من
المشاكل الصغيرة والكبيرة ، ويحط الناس بهم
كل قضاياهم وكل مشكلاتهم ، لابد أن يستعينوا
على ذلك بالصلاة وإلا عجزوا وانقطعوا . وكان
شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يصلي الفجر
ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى يتعالى النهار
ويرتفع ثم يصلي ركعتين ثم يقول : - (( هذه غدوتي
، لو لم أتغدها لم تحملني قدماي )).
والصلاة
مناجاة لله سبحانه وتعلى ووقوفُُ بين يديه
ولهذا قال النبي صلىالله عليه وسلم كما في
الصحيح
((
إذا قام العبد في الصلاة فإنه يناجي ربه )) . ثم
نهى أن يبصق العبد بين يديه أو عن يمينه ولكن
من تحت قدميه أو عن شماله ،والذي يناجي ربه
تعالى أنّى أن يقبل على غيره أو ينصرف عنه أو
يجعل بصره يلتفت يمنة ويسرة والله تعالى
قُبالة وجهه .
والصلاة
قربى وزلفى إلى الرب تعالى فإن العبد بعيد عن
الله إن غفل عن ذكره ، فكلما ذكر الله تعالى
وصلى اقترب من الله سبحانه ، ولهذا قال تعالى
(( أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى )) ثم قال في
آخر السورة (( كلا لاتطعه واسجد واقترب )) اقترب
إلى الله تعالى بالسجود له. وفي الصحيح أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أقرب ما يكون
العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء
فقمن أن يستجاب لكم )
والصلاة
كفارة ، قال الله تعالى : (( وأقم الصلاة طرفي
النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن
السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )) فالعبد يحترق
بالذنوب والمعاصي ، هذه نظرة حرام ، وهذه كلمة
ما حسب لها حساب ، وهذه خطوة إلى معصية ، وهذه
يدٌ تمتد إلى مالا يرضي الله ، وهذه .. ، وهذه ..
فإذا جاءت الصلاة كفَر العبد بها عن ذنوبه
وخطاياه وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن
العبد يغفر له ما بين الصلاتين ما لم يؤتي
كبيرة ، وذلك الدهر كله . ولما جاءه الرجل
يشتكي ذنباً. قال له النبي صلى الله عليه وسلم
(( أشهدت معنا الصلاة قال: نعم . قال : اذهب فقد
غُفر لك )) . وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم
كما في الحديث الصحيح –
الصلاة ب(( نهرغمر جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه
العبد كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شىء .
قالوا :لا يارسول الله .قال :
فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن
الخطايا والذنوب )).
والصلاة عصمة من الشيطان . ولهذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم (( إن الشيطان يئس أن يعبده
المصلون في جزيرة العرب )) وهي نور كما قال
عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه
مسلم :- (( والصلاة نور )) . وهي شغلٌ أي شغل ولهذا
في حديث ابن مسعود :- (( إن في الصلاة لشغلاً ))
يعني من أمور الدنيا بل حتى عن أمور الدين من
غير الصلاة مما لا يتعلق بها
.فإذا أقبل العبد على صلاته ينبغي أن يفرغ
قلبه من جميع الشئون والهموم ، ويقبل عليها
بقلب حاضر ولسان ذاكر .
وهي
أيضاً حقن لدم
الإنسان . ولهذا لما
وقف الرجل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو
يقسم الغنائم ، فقال: اعدل
يا محمد - وفي
رواية : - (( أنه قال : هذه قسمة ما أريد بها وجه
الله )) – فاستأذن
رجل من الصحابة في قتله فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم : لعله أن يكون يصلي )) فاعتبر
أن صلاته تعصم دمه من أن يقتل
.
ولما
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكّام الجور
وحكّام السوء قال بعض الصحابة : يا رسول الله
أفلا ننابذهم
ونقاتلهم ؟ قال : -(( لا.. ما صلوا ..))
وهي
ناهية عن الفحشاء والمنكر (( وأقم الصلاة
إن الصلاة تنهى
عن الفحشاء والمنكر )) .. بل هي أفضل الأعمال
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سئل
كما في الصحيح :- (( أي
الأعمال أفضل ؟ فقال :
((
الصلاة لوقتها )) .. وهي شعار الإخاء والحب و
المودة بين المصلين والمترددين على المساجد
وقد جاء في مسند الإمام أحمد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن
المملوك (( مملوكك كافيك ، فإذا صلى فهو أخوك ، فإذا
صلى فهو أخوك )) يعني العبد الذي تستخدمه إذا
أدى الصلاة فهو
أخوك ، فعليك أن تحسن معاملته وتبتعد عن
إيذائه بالقول أو بالفعل . بل هي وصية الله
سبحانه وتعالى لأفضل
خلقه للرسل عليهم الصلاة والسلام : -(( قال إني
عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني
مباركاً أينما كنت
وأوصاني بالصلاة والزكاة
مادمت حيا )) .
*
بالتالي فإن الرسل نقلوا هذه الوصية إلى
من وراءهم من أهليهم وأقوامهم وأتباعهم . قال
الله تعالى ..(( وكان يأمر أهله بالصلاة
والزكاة )) وقال
للنبي صلى الله عليه وسلم : ((وأمر أهلك
بالصلاة واصطبر
عليها لا نسألك
رزقاً نحن نرزقك
والعاقبة للتقوى )) وفي الصحيحين أن النبي صلا
الله عليه وسلم قام فزار البقيع ، فسلم على
أهل البقيع ثم صلى وقال : - (( إني أرى مواقع
الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر )) ثم قال عليه
الصلاة والسلام : -((
من يوقظ صواحب الحُجُرات
–
يعني أزواجه رضي الله عنهن –
يا رُبّ كاسية بالدنيا عارية
يوم القيامة )) وكان يقول في مرض موته الذي قبض
فيه صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة وما ملكت
أيمانكم)).
**كل
هذا شأن الصلاة فهل يا ترى
هذه المعاني العظيمة وهذه الدلالات
الربانية وهذه الأوصاف النبوية هل هي تصدق
على كل صلاة ؟ .. أم تصدق على تلك الصلاة التي
أمر الله بها رسوله
صلى الله عليه وسلم . لاشك أنه كم من مصلّ
يقول بلسانه ما ليس في قلبه حتى المنافقون
كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ،
وربما تأخروا عن بعض الصلوات كصلاة العشاء ،
وصلاة الفجر ،
ولكنهم ربما شهدوها وبالتأكيد
فهم يشهدون غيرها . وكثير من ضعفاء
والإيمان يصلون لكن لا تتحقق تلك المعاني
العظام في صلاتهم لإنها
صورة مجردة عن الحقيقة ،
ولهذا يجب أن نعلم : كيف صلى الأنبياء .
ثالثاً
: - نعم هكذا صلى
الأنبياء .
كل
الأنبياء بعثوا بالصلاة ولهذا لو تأملت هديهم
لوجدت الصلاة مذكورة في سيرة كل نبي . قال الله
تعالى
((
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من
ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية
إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا
تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً
)) ثم قال (( فخلف من بعدهم خلفُُ أضاعوا
الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غياً )) . إذن فالأنبياء بعثوا
بالصلاة وإذا قرأوا القرآن خروا ساجدين
خاشعين باكين لله تعالى . أما الذين من بعدهم
ممن غيروا وبدلوا وخالفوا هديهم فقد اتبعوا
الشهوات وأضاعوا
الصلوات . قال الله تعالى : - (( وهذا كتاب
أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم
القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة
يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون )) وكأن صلاة
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت متقاربة
في هيئتها وشكلها ومظهرها ومخبرها
وسرها وجوهرها . ففي حديث ابن عباس وابن
عمر وهما حديثان صحيحان أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّا معاشر
الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا
ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة
))
فهؤلاء
الأنبياء كلهم أمروا أن يقفوا بالصلاة خاشعين
لله تعالى مخبتين بين يديه منكسرين إليه
واضعاً أحدهم يده اليمنى على يده اليسرى على
جزءٍ من بدنه في صلاته على صدره أو غيره .
هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن
الأنبياء جميعاً .
ووضع اليد على اليد في الصلاة هو من هدي النبي
صلى الله عليه وسلم . وقد وردت فيه أحاديث
كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى درجة المتواتر
الذي ثبت ثبوتاً قطعياً ، أنه كان صلى الله
عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى
في الصلاة ، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد :
-(( كان الناس يأمرون الرجل أن يضع يده اليمنى
على يده اليسرى في الصلاة )) . وفي صحيح مسلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( مررت على
موسى وهو يصلي على قبره ))[1]
وقال
عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : -(( أفضل
الصلاة صلاة داود ..)) وذكر عليه الصلاة
والسلام أنه لما أُسري به
إلى بيت المقدس جُمع له الأنبياء هناك فصلى
بهم إماماً وهم يصلون بصلاته )) ولاشك والله
تعلى أعلم –
أن هؤلاء المأمومين من أنبياء الله ورسله
كانوا يقتدون بإمام الأئمة محمد عليه الصلاة
والسلام ، فإذا كبّر كبّروا ، وإذا قرأ أنصتوا
، وإذا قام قاموا ، وإذا ركع ركعوا ، وإذا سجد
سجدوا ، وإذا قعد قعدوا ، وإذا سلّم سلّموا من
ورائه صلى الله عليه وعليهم جميعاً
وسلّم فهذا ما
يقتضيه الشرع في
إقتداء المأموم
بالإمام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
)) فكيف تظن هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم
الصلاة والسلام صلوا خلف إمامهم- نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم –
إلا أن يكونوا يصلون بصلاته حذو القذة بالقذة
ويتبعونه في كل أفعاله عليه الصلاة
والسلام .
وفي
آخر الزمان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل على
المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيصلي الفجر مع
المسلمين يقتدي بإمامهم ويقول : (( أئمتكم أنتم
أئمة بعضكم لبعض تكرمة الله
تعالى لهذه الأمة )) ولاشك أن عيسى حين يصلي
سوف يقتدي بسنة سيد المرسلين عليه الصلاة
والسلام ، إذ أن شريعة
محمّد صلى الله عليه وسلم باقية إلى قيام
الساعة ، وهي حق واجب على كل الناس الذين
يأتون من بعده ، فبذلك تعلم أن جميع الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام بُعثوا بالصلاة
وأُمروا بها وأمروا بها
غيرهم ، وأن صفة الصلاة عند الأنبياء
جميعاً – والله
تعالى أعلم –
متقاربة ، بل حتى الملائكة هم يصلون ، ولهم
صلوات كصلوات المسلمين ، قيام وركوع وسجود ،
ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( نزل جبريل فأمسّني فصليت معه )) وفي الحديث
الذي رواه أهل السنن أن جبريل أتى في اليوم
الأول فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر
ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في أول
الوقت . وفي اليوم الثاني نزل عليه السلام
فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم
العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في آخر
الوقت وقال له : - ((
الصلاة بين هذين الوقتين )) وكذلك قال النبي
صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه .. ألا تصفون
كما تصُّف الملائكة عند
ربها ، قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟
قال : يُتمون الصف الأول فالأول ويتراصّون في
الصف )) وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن
وغيرهم وهو حديث صحيح عن أبي ذر وغيره أيضاً
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أطت
السماء وحُقّ لها أن تئط ، ما فيها
موضع شبر إلا وفيها ملك
واضع جبهته ساجد لله تعالى يسبح الله
ويحمده ، والله لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم
كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ،
وخرجتم إلى الصعدات تجأرون
إلى الله تعالى )) .. قال الله تعالى : - (( فإن
استكبروا فالذين عند ربك لا يستكبرون عن
عبادته ويسبحونه وله يسجدون )) . وصلاة
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كيفيتان
:-
الكيفية
الأولى : - الكيفية الباطنة : -
وهي
كمال الذل والخشوع لله تعالى وصدق التعبد
والإقبال عليه والإنقطاع
إليه عما سواه ولهذا قال الله تعالى : (( قد
أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ))
وقال : - (( إن الذين أوتوا
العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون
للأذقان سجداً
ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ،
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )) وقد
قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة
حتى أصبح . يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى
، وكان يرددها ويبكي كما في حديث أبي ذر عن
النسائي وغيره وهي قوله تعالى (( إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور
الرحيم )) فالخشوع سر الصلاة ولبُّها
وجوهرها وثمرتها ولاشك أن من الخشوع
قدراً واجباً يأثم المرء بتركه والتفريط فيه
كما في حديث أبي قتادة
الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه
وسنده جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- ((
أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قالوا
يارسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال لايتم
ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )) ولا شك أن
السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب فكون
النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم
خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد
سرق بل عد سرقته أسوأ سرقة وعدّه هو أسوأ
الناس سرقة هذا دليل على أن من إتمام الركوع
والسجود والخشوع في الصلاة
قدراً واجباً يأثم الإنسان بتركه ولا تتم
الصلاة إلا به ، ولا شك أن الخشوع من أعمال
القلب . وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح
، وفي الصحيحين من حديث النعمان : - (( إن في
الجسد مضغة إذا صلحت
صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا
وهي القلب فالأصل في أعمال الجوارح
أعمال القلوب ، فإن صلح القلب وأعماله
صلحت أعمال الجوارح
، وإذا فسد القلب وأعماله فسدت أعمال الجوارح
، والناس يتنافسون في
أعمال الجوارح ، فربما تنافسوا في التبكير
إلى الصلاة وربما
تنافسوا في الخشوع الظاهر في الصلاة
وربما تنافسوا في تطبيق السنن الواردة في
الصلاة ، وربما تنافسوا في تطويل الصلاة
وهذا كله حسن وجيد ومشروع وفي
ذلك فليتنافس المتنافسون ، وهو خير من
التنافس في الدنيا
أو في الأموال أو في الأولاد أو في غير ذلك ،
ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة
، أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة –
أعمال القلوب – ولكنهم
لا يتنافسون فيها
لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو
تلمسه اليد فهي سر لا يعلمه إلا العالم
بالأسرار والخفيات وهو الله سبحانه وتعالى .
وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( ما من
مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها
وركوعها إلا كانت
كفارة لما قبلها من
الذنوب ما لم يؤتى كبيرة ، وذلك الدهر كله ))
يا
سبحان الله !! .. أيُّ خير زيد بعد ذلك ؟ ! كفارة
لما قبلها من الذنوب !! .. وهي لا تستغرق منك
أكثر من عشر دقائق ! .. والمقصود : الذنوب
الصغيرة شريطة أن
يحسن وضوءها وخشوعها وركوعها . وفي الترمذي
ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال في الصلاة ((
تشهُّدُُ في كل ركعتين وتخشّع وتضرّع وترفع
يديك وتقول :يا للهم .. يا للهم
، فمن لم يفعل فهي خداج .. فهي خداج
)) وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : - (( والله ما يخفى عليّ
خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم )) . والخشوع
أيها الأحبة علمُُ ، ولا غرابة أن يتسابق
الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علمُُ
لبعض الأحكام .. لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى
المجالس التي فيها علم القلوب كعلم الخشوع أو
علم اليقين أو علم الإقبال على الله ومعرفته
ومحبته وغير ذلك .
فالخشوع
علمُُ لأنه علمُُ بالله وأسمائه وصفاته
ومعرفة لعظيم قدره ، حتى لا يكون في شيء أكبر
وأعظم من الله تعالى ، ولهذا تستفتح الصلاة
لتقول : - (( الله أكبر )) وغير الخاشع يعد من
الجاهلين ، وقد قال شداد بن
أوس
–
وهو صحابي – لجبير بن
نفيل : (( هل تدري ما ذهاب العلم ؟ قال : لا ، قال
: ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء . قال له
: أتدري أي العلم يرفع أول ؟ قال لا أدري : قال :
أول علم يرفع من الناس علم الخشوع ، يوشك أن
تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً
)) وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في مسنده
والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح .. وللخشوع
أسباب لابد من تحصيلها : -
1-
تفريغ
القلب ، .. فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا
المملوء بمشاكلها ،
والمستغرق بملذاتها وقضاياها ؟ أنّى له أن
يجد في قلبه خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة ،
فالصلاة تحتاج إلى القلب ، فإذا
احتاج العبد قلبه في الصلاة وجسده الآن
مشغول بهموم الدنيا فلا يفرغ لصلاته فلابد أن
يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً
وأبداً لأمر الآخرة ، ولأمر الدين ، لا يسمح
أن تملأ بشيء دنيوي قط .
2-
التبكير إلى المساجد ، وإحسان
الطهور ، والتنفل قبل الصلوات ، وقراءة ما
تيسر من القرآن فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من
الشواغل ويهيئه للإقبال على الله تبارك و
تعالى ، ولهذا شرعت
السنن الرواتب :
[ ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر أو
ركعتان ، وركعتان بعد العشاء ] وبين كل أذانين
صلاة :
[ ركعتين قبل العصر –
بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل المغرب –
بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل العشاء –
بين الأذان والإقامة ] . حتى يتفرغ القلب="mso-spacerun: yes" ويتجرد
للإقبال على الفريضة .
3-
الإقبال
على الصلاة ، بقراءتها وذكرها
ودعاءها ، فيتأمل العبد ماذا
يقرأ في صلاته وبماذا يدعوا أما أن يكون
في واد وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة
، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما
رواه أبو هريرة وابن
عمر وهو حديث حسن (( ادعوا الله وأنتم موقنون
بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من
قلب غافل لاهٍ )) . فلا بد أن يقبل العبد على ربه
ويدعوه وإذا قرأ
القرآن يعرف ماذا يقرأ ، وإذا ذكر الله يعرف
ماذا يقول .
4-
ألا يؤدي الصلاة وقلبه مشغول ، بل
ينتظر قضاء الصلاة ، ليذهب إلى حاجته ، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا صلاة بحضرة
طعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان
)) وذلك أن النفس إذا استشرفت إلى شيء من
أمر الدنيا طعام أو شراب أو عملاً أو خبراً أو
غير ذلك .فإن العبد يصلي
وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر في هذا العمل ،
ينبغي للعبد أن يخلص عمل الدنيا ويقبل على
صلاته بقلبٍ حاضرٍ متفرغ ، ولهذا وصف الله
سبحانه وتعالى الصالحين بالمحافظة على
الصلوات وهذا يشمل المحافظة
على الوقت ، والطهور وأعمال الصلاة
والخشوع وغير ذلك ، وبضدهم ذكر المنافقين
فقال : (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ))
وذكر المشركين فقال : - (( وما كان
صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديه)) وذكر
المرائين فقال:- (( فويلُُ
للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم
يراءون ويمنعون الماعون )) .. إن الصلاة عبادة
محضة ، ليس لها مرتبات .. وليس فيها فوائد
دنيوية ولا داعي أن نقول للناس أن العبد إذا
صلى كسب رياضة وصحة واستقام حاله ، وتخلص من
بعض الأمراض إلى غير ذلك ، .. كلا .. فالعبد لا
يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً
ولا ليكسب صحة ، ولا ليكسب ثروة ، ولا ليكسب
جاهاً ، ولا ليكسب مكانة اجتماعية ، إنما يمشي
هذه الخطوات إلى مسجد الله تعالى يضع جبهته في
التراب لربه تبارك وتعالى ويقول : - (( سبحانك
وبحمدك أنا عبدك وبين يديك ، اعترف بذنبي
واعترف لك بكل معاني الكمال والجلال
والجمال ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت))
فليس
في الصلاة كبير وصغير وليس فيها أمير ومأمور
ولا غني ولافقير بل الجميع فيها سواسية ،
أقدامهم سواء ، وأكتافهم سواء ، وجباهم
كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب . إذن :
هذه هي الكيفية الأولى والعظمى ، والكيفية
الباطنة لصلاة الأنبياء علهم الصلاة والسلام
. فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على
ربه أشد الإقبال . قال الله تعالى لنبيه صلى
الله عليه وسلم (( ياأيها المزمل . قم الليل إلا
قليلاً . نصفه أو
انقص منه قليلاً
أو
زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك
قولاً ثقيلاً )) عبء الدعوة
وتكاليفها ومسئولياتها
وهمومها وتبعاتها لا يقوم
لها إلا من استعان بالله تعالى وعبد الله
وصلى وذكر الله ولذلك
قال : - (( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)).
الكيفية
الثانية :
- الكيفية الظاهرة
والمقصود
بها أعمال الصلاة
وأقوالها ، وهذه أمرها كبير وطويل ، ولكني
اختصر شيئاً منها ، وسوف أتجاوز كثيراً من
الأشياء المعروفة المتداولة التي لا إشكال
فيها :
-1-
يرفع العبد يديه في مبدأ الصلاة
ويقول(( الله أكبر )) وهذه تكبيرة الإحرام ،
وبها يدخل الإنسان كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (( تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم )) فإذا كبر دخل في الصلاة وأحرم بها ،
فأصبح محرماً عليه أن يأكل أو يشرب أو يتكلم
أو ينصرف عن القبلة أو
يعاني أي عمل من أعمال الدنيا التي تتنافى مع
الصلاة ، وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة ،
وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير ، يرفعهما إلى
منكبيه كما جاء في
بعض الأحاديث –
أو إلى أطراف أذنيه – كما جاء
في أحاديث أخرى ، ورفعهما إلى المنكبين هو
مذهب الجمهور وأكثر الأحاديث عليه ولو رفعهما
إلى أطراف الأذنين فلا حرج ، فجاء ذلك في
أحاديث أخرى . وتوسط بعض أهل العلم فقال : يكون
أسفل اليد إلى المنكب وأطراف الأصابع إلى
فروع الأذنين ، وهذا الرفع مسنون عند : -
أ-
تكبيرة الإحرام
ب- تكبيرة الركوع
-ج- الرفع من الركوع
-د- القيام من التشهد الأول
فهذه
الأربعة مواضع ثبت
في الصحيحين من حديث
ابن عمر وغيره أنه
يشرع للإنسان أن يرفع يديه
فيهما مع التكبير أو مع التسميع(( يعني قول سمع
الله لمن حمده )) وهو سنة على كل حال كما هو
مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة
الأربعة .
-2-
بعد التكبير يستفتح العبد وهو سنة ليس بواجب
عند جميع أهل العلم ،
وأي دعاء ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز
أن يستفتح به العبد مثلاً (( سبحانك اللهم
وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك))
هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح مسلم
وغيره ، وجهر به عمر وعلمه الناس ورجحه الإمام
ابن القيم من نحو عشرة أوجه ، واختاره الإمام
أحمد ، وفي كتاب التوحيد لابن منده أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : - (( أحب الكلام إلى
الله : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك
وتعالى جدك ولا إله غيرك )) وسند الحديث
جيد . وغيره ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه عليه
السلام كان يستفتح فيقول : - (( اللهم باعد بين
خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم
نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس اللهم إغسلني من خطاياي بالماء والثلج
والبرد )) .
وإن
دعا بغير ذلك من الاستفتاحات الواردة وهي نحو
أربعة عشر استفتاحاً فلا
بأس بذلك ، ولو جمع بين استفتاحين لم يكن عليه
في ذلك إن شاء الله حرج ، كما رجحه الإمام ابن
تيميه رحمه الله ثم يتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم لقوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) .
-3-
يضع يده اليمنى على يده اليسرى – كما سبق –
وهذا يكاد أن يكون اتفاقا بين العلماء ، وخالف في ذلك القليل-
ثم
يضع يديه على صدره لحديث وائل بن حِجر قال :
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع
يده اليمني على اليسرى على صدره )) والحديث
رواه ابن خزيمه وفي
سنده ضعف ولكن له شاهد آخر مرسل صحيح عن طاووس
قال في صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم (( أنه كان
يضع يده اليمنى
على اليسرى ثم يشد بينهما على صدره )) والحديث
هذا رواه أبو داود وهو صحيح مرسل وبه يتقوّى
حديث وائل بن حجر رضي الله عنه .
وهناك
أقوال : بعضهم يقول : يرسل يديه ، وبعضهم يقول
يضعهم فوق السرة ، وبعضهم يقول : يضعهم تحت
السرة . وأود أن أقول : إن الأمر في ذلك كله
واسع ، أما السنة فلا شك
أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى هذا
ظاهر وليس إرسال اليدين ، ثم إن وضعها على
صدره أو تحت الصدر بقليل أو فوق السرة أو تحت
السرة فذلك كله واسع
، والأولى أن يضعهما فوق الصدر .. .. إنما لا
ينبغي أن تكون هذه مسألة من المعضلات ، وألا
تكون مثاراً للجدل والإشكال والقيل والقال ،
وينبغي أن يكون فيها تعاذر وتغا فر وتناصح ،
فلو خالفتني في هذه المسألة فلا حرج عليك إن
شاء الله ، وأرجو ألاّ تؤاخذني إذ خالفتك
أيضاً ، فإن الصلاة كما أسلفنا عبادة المقصود
فيها التقرب إلى الله تعالى ، وليس المقصود
فيها الجدل والقيل والقال وارتفاع الأصوات ،
واختلاف القلوب ، ولأن نضع أيدينا مختلفين
فهذا وضعهما تحت سرته ، وهذا وضعها على صدره ،
وهذا وضعها فوق سرته مع اتفاق القلوب ،
وسلامتها ، والنصح للمسلمين
لهو خيرُُ عند الله تعالى من أن
نفعل غير ذلك وتكون القلوب مختلفة
متنافرة مليئة بالبغضاء لإخوانك
المسلمين .
-4-
قراءة الفاتحة وهي ركن للإمام والمنفرد لقول
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة :- (( لا
صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) أما المأموم
فإن كان الإمام يسكت قرأ الفاتحة وإلا سكت
المأموم وتكفيه قراءة إمامه إن شاء الله
تعالى وفي ذلك أقوال كثيرة هذا أصحها وأرجحها – في ما ظهر
لي إن شاء الله – ولذلك
أدلة منها قول ربنا تبارك وتعالى
(( وإذا قُرِأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلكم ترحمون )) قال بعض المفسرين أجمع
العلماء على أن ذلك في الصلاة ، فإذا كان
الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة ،
فكيف نستثني منها لحالة الوحيدة التي يمكن أن
يقرأ فيها الإمام والمأموم ، وهي ألا يسكت
الإمام يعد قراءة الفاتحة ، فإذا لم يسكت
الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله ،
فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله . وقال النبي
صلى الله عليه وسلم عن الأئمة : - (( يصلون لكم
فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فعليهم
ولكم )) صحيح . فقول النبي صلا الله عليه وسلم –
يصلون لكم – دليل على
أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه . وكذلك قال
النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما جعل الإمام
ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كّبر فكّبروا
وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا
قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
، وإذا سجد فاسجدوا ..
..)) إلى غير ذلك ، فقوله : - (( وإذا قرأ فأنصتوا ))
بعد ما بّين ماذا يقول الإمام بيّن ماذا يقول
المأموم . فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ))
قال المأموم (( ربنا ولك الحمد )) .
وإذا
ركع الإمام ركع المأموم فبيّن ماذا يجب عليهم
جميعاً وهو (( الركوع ، والوقوف ، والسجود ،
وغير ذلك ، وبيّن ما يجب على الإمام دون
المأموم وهو مثل قوله (( سمع الله لمن حمده )) .
وبيّن
ما يجب على المأموم مع الإمام وهو قوله ((ربنا
ولك الحمد )) ثم قال (( فإذا قرأ فأنصتوا )) فدل
ذلك على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع
إمامه بالقراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة
الفاتحة . وقد جاء في ذلك حديث (( من كان له إمام
فقراءته له قراءة )) وهذا الحديث جاء عن أنس بن
مالك وابن عباس وأبي هريرة وابن سعيد وابن عمر
وجابر وغيرهم ، وصححه جماعة من أهل العلم
كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن
تيميه رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ
الألباني وغيره ، وضعفه آخرون . وعلى كل حال
فإنه لم يثبت قطعياً
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو
إمام حتى يتمكن من وراءه من القراءة . ولو كانت
قراءة الفاتحة واجبة على المأموم لسكت النبي
صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من
قراءتها . وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً
بعد ما انصرف من صلاة الفجر (( مالي أنازع
القرآن ، لعلكم تقرئون خلف إمامكم )) قالوا نعم
، فنهاهم –
قال الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما
يجهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة .
-5-
يقرأ بعد الفاتحة سورة استحباباً
لا وجوباً –
في الركعتين الأولين من الصلاة الرباعية وفي
الركعة الثالثة من الصلاة الثلاثية . ففي
الفجر يقرأ بطوال المفصل ، وقد قرأ النبي صلى
الله عليه وسلم في صلاة الفجر سورة السجدة
و (( هل أتى على الإنسان )) وقرأ سورة ق وقرأ
إذا الشمس كورت ، وغالب ما يقرأ
ما بين .6 إلى ..1 يقسمهما ما بين الركعتين
. أما في الظهر فإنها أقل من الفجر ولكنها
أطول من العصر ، وقد ثبت أن النبي صلى الله
عليه وسلم قرأ أحياناً في الظهر بطوال المفصل
فقرأ بالذاريات بل
قرأ في الظهر بلقمان ثبت
هذا عنه عليه الصلاة والسلام .
والغالب
أنه يقرأ قراءة أقل
من صلاة الفجر وأطول من صلاة العصر ، أما في
العصر فيقرأ بأواسط المفصل كسورة عمّ
والمطففين والتكوير والبروج ونحوها .
أما
المغرب فيقرأ أحياناً بالقصار كما في حديث
سليمان بن يسار أنه كان يقرأ بقصار المفصل ،
وقال أبو هريرة ((اذكرني هذا صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم )) ومثله حديث الصنابحي
وقد صلى خلف أبي بكر بالمدينة رضي الله
عنه وقد ذكر أنه كان يقرأ في المغرب بقصار
المفصل . وقد قرأ صلى الله عليه وسلم بالمغرب
بغير ذلك فقرأ بالطور مرة ، وقرأ بسورة
المرسلات بل قرأ بسورة الأعراف –
طولى الطوليْين – في مرة أو
أكثر.
أما
في العشاء فهو يقرأ فيها كالعصر بأواسط
المفصل وقد قرأ عليه الصلاة والسلام بالعشاء
((إذا السماء انشقت )) ذات مرة وسجد فيها .
وكذلك قرأ في الصحيحين من حديث جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : ((
أفتّان أنت يا معاذ ؟ لما أطال القراءة –
اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح
بسم ربك الأعلى . وهذا يتعلق بما يقرأه
الإنسان .
-6-
يركع الإنسان ويحني ظهره ويجعل ظهره مساوياً
لظهره كما قالت عائشة –
عن الرسول صلى الله عليه وسلم –
أنه : - (( إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوّ به ولكن
كان بين ذلك )) وكان
لو صُبّ على ظهره الماء لستقر من تساويه
واعتداله ، ورأسه كذلك كان مساوياً لظهره
عليه الصلاة والسلام وكان يقول في ركوعه
((
سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم )) أما
الوجوب فمرة لإنه صلى الله عليه وسلم لما نزل
قوله تعالى
((
فسبح باسم ربك العظيم قال : - (( اجعلوها في
ركوعكم )) وهذا يتحقق بمرة واحدة . وأما أدنى
الكمال فكما قال الفقهاء (( ثلاث )) ويدعوا في
الركوع أيضاً بما ورد وكان من دعائه صلى الله
عليه وسلم في ركوعه كما في حديث عائشة المتفق
عليه (( سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي ))
إلى غير ذلك من الأدعية.
-7-
يرفع رأسه ويقول (( سمع الله لمن حمده )) إن كان
إماماً أو منفرداً ، أما المأموم فلا يقولها
بل يكتفي بقوله (( ربنا ولك الحمد ))
وهذا الدعاء يشترك فيه الإمام والمأموم
والمنفرد فيقولون جميعاً (( ربنا ولك الحمد
حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه ملء السماء ، وملء الأرض ،
وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ،
أحق
ما
قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما
أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد
منك الجد ))
ما
معنى هذا الدعاء .. .. ؟! قد نردده ولا نفهم
معناه : -
((
ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه ملء
السماء وملء الأرض وملء ما شئت من
شيء بعد )) يعني هذا الحمد الذي أحمدك يا رب
هو حمدٌ كثيرٌ طيبٌ لا ينتهي أ بداً يملأ
السماوات ويملأ الأراضي
ويملأ غيرهما
مما تشاء يا رب. ثم قال (( أهل الثناء والمجد ،
أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد )) كلنا عبيد
لك ، وأفضل وأعظم كلمة قالها عبد هي : - (( اللهم
لا مانع لما أعطيت )) هذه أعظم كلمة قالها
العبد وأحق كلمة قالها العبد :- (( اللهم لا
مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع
ذا الجد منك الجد )) فذوا الحظ والغنى .. . ذو
الملك والسلطان .. ذو المال والثراء .. ذو الصحة
والقوة ..لا ينفعه منك ذلك ، إنما ينفعه عمله
الصالح
أما
جدٌّه وحظه الدنيوي
فلا ينفعه ..
فليس
لإمرٍ قدر الله جمعه
مشتٌّ ، ولا مفرق الله جامع
فالعبد
الذي يقول هذا أنّى
له أن ٌيطأطأ
رأسه لغير الله ، أو يذل لسواه ، أو يطلب
الدنيا ويفتلها بالدين ، أو يضعف ويخاف من
الطواغيت وأعداء الله وأعداء رسوله عليه
الصلاة والسلام .. إن المؤمن الذي يقول هذا
الدعاء بقلبٍ حاضر سيمتلئ قلبه ثقة بالله
وتوكل وشجاعة وجرأة وقوة وإعراض عن الدنيا
وهكذا كانت مثل هذه العبادات
والأذكار والصلوات تخرج الناس خلقاً
آخر غير ما عهد الناس ، فكان الواحد منهم
يهجم على الموت ، يبحث عنه ويطلبه في فطانه رجاء أن يكتب الله تعا لى له أجر
الشهداء في سبيله . أما المسلم اليوم فإنه
يقول هذا الدعاء ثم يمد يده طلباً
للدنيا ، ويقول هذا الدعاء
ثم يخاف من القوى العظمى – كما تسمى..
أو يخاف من رجال الأمن ، أو يخاف من الدول ، أو
يخاف من أعدائه وخصومه ، أو يخاف من الجن –
كما نجد عند الكثيرين-
أو
يخاف من الشياطين ، أين الإنسان الذي يقول
بلسانه وقلبه يواطء لسانه
(( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا
ينفع ذا الجد منك الجد )) أن يطلب الدنيا من غير
الله تعالى ، أو يقف بباب غير باب الله تعالى ،
وهذا الموضع – موضع
القيام من الركوع –
هو موضع قنوت ودعاء فهو أحد المواضع التي يشرع
فيها الدعاء ، ففي الركعة الأخيرة
من الوتر ، وكذلك في غير الوتر في الصلوات
في النوازل والمصائب العامة التي تنزل
بالمسلمين ، ويمكن للإنسان
أن يقنت ولو سراً منفرداً ، أو غير منفرد ،
فيطيل الوقوف كما كان النبي صلى الله عليه
وسلم –
يطيله ، ويدعوا الله تعالى بما أحب من خيري
الدنيا والآخرة .
-8-
يهوي الإنسان بعد ذلك ساجداً لله تعالى .. وهل
يقدم للسجود يديه أم ركبتيه ؟
في
ذلك خلاف كثير طويل بين أهل العلم .. وقد نقل
الإمام ابن تيميه
رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو
ركبتيه صحيحة ، وإنما الخلاف في الأوْلى
والأفضل من ذلك إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه
المسألة قدرها فلا نعظمها ونجعلها مجالاً
للخصومات والعدوات والقيل والقال ، واختلاف
القلوب ، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً
رزيناً بعيداً عن التشنٌّج والانفعال والإثارة
، فنقول من أهل العلم من قال السنة أن يقدم
الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته .. بهذا
الترتيب ، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم
ورجحه جماعة من علماؤنا المعاصرين كسماحة
الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم . ومن أهل
العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم
ركبتيه –
إذا هوى إلى السجود – وكأن هذا
أشبه وأقرب إلى السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم
ركبتيه . وفي حديث أبي هريرة (( إذا سجد أحدكم
فلا يبرُك كما يبرُك البعير ، وليضع يديه قبل
ركبتيه )) ومثله حديث عمر بمعناه ، وهو أصح من
حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل
اليدين .
وعلى
كل حال فسواءً قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه
فإنه ينبغي ألا يشتبه بالحيوانات في هذا
الهويّ ، فإن الإنسان إذا انحط بجملته
وكُلّيته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير
، والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة ،
فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه
أن ينزل تدريجياً ،
وإن هوى بيديه أيضاً أن
ينزل تدريجياً أيضاً ،
وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض ،
فيباعد بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، ويرفع
ذراعيه ، ليعطي كل عضو حقه من السجود ويقول في
ذلك السجود :- ((
سبحان ربي
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..من
يهده الله فلا مضل له ..ومن يضلل فلن تجد له
ولياً مرشداً ..وبعد
أيها
الأحبة :_
إن
حديث اليوم هو عن أعظم عمل بعد التوحيد كلف به
الأنبياء وهو الصلاة ، فإنها من خير أعمالكم ،
وهي خير موضوع كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم فلهذا لا غرابه
أن يخصص له حديث : ويدندن حوله المتكلمون
لأنها سراج للقلب والروح الى بارئها جلى وعلى
.
أولاً..
تمهيد :-
إن
من عظيم نعمته تعالى وهو الواحد الأحد الصمد
أن يجود بعليائه على ذلك العبد الفقير فيبسط
يده إليه ويأذن له بذكره وشكره وحسن عبادته
وسؤاله ، مجرد الإذن كما قال تعالى (( في بيوت
أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه )) فإن مجرد
إذنه لنا بأن نذكره وندعوه هو نعمة عظمى ..
فكيف وقد أمرنا بذلك وأوجبه علينا ، وجعل لنا
عليه الأجر العظيم . إنه سبحانه يفتح أبوابه
لعباده دون أن يجعل بينه وبينهم وسيطاً (( وقال
ربكم إدعوني أستجب لكم ، إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) .
والدعاء ضربان :
الأول
:_
دعاء عبادة : كالصلاة
والقرآن والذكر والتسبيح ، فهذا دعاء عبادة
له تعالى .
الثاني
:- دعاء مسألة
، أي أن تسأل الله تعالى وترجوه فيما تريد
وتحب من خيري الدنيا والآخرة ، وذكره تعالى هو
في حقيقته دعاء لإنك إن أثنيت عليه تعالى
بأسمائه وصفاته فأنت تتعرض له بالسؤال ، فإذا
قلت اللهم لامانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت
ولاينفع ذا الجد منك الجد فكأنك تقول اللهم
لامانع لما أعطيت فأعطني ولا معطي لما منعت
فلا تمنع عني فضلك ولاتحرمني بذنوبي ، ولا
ينفع ذا الجد منك الجد فأغنني بفضلك عن سواك .
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا
أثنى عليك العبد يومًا
كفاه من تعرضه الثناء
إنه
تبارك وتعالى ينزل في ثلث الليل الآخر فيقول
لعباده : هل من سائل ؟ هل من داعي ؟ هل من
مستغفر؟ هل من تائب ؟
لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسأل يغضب
((
ياابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني إلا غفرت لك
على ماكان منك ولا أبالي ، ياابن آدم لو بلغت
ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك
ياابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم
لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها
مغفرة )) حديث قدسي –
ثانياً
:_صفات وأسماء وفضائل ..
هذه
الصلاة شأنها عظيم .. ولماذا أتكلم أنا ويتكلم
غيري وقد تكلم الرب جلا وعلا ؟! ولماذا يتحدث
الإنسان وقد تحدث سيد ولد آدم محمد صلى الله
عليه وسلم،فبيّن ما
في هذه الصلاة من الأسرار والمعاني الكبار .
فالصلاة عهد .. قال الله تعالى :- (( ونسوق
المجرمين إلى جهنم ورداً .لا يملكون الشفاعة
إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً )) .و قال صلى
الله عليه وسلم كما في السنن : - (( العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) فمن
حُرم الصلاة فقد حُرم الشفاعة يوم الحساب .
والصلاة
عبادة تصل العبد بربه تعالى ، فتجعل هذا
الضعيف الحقير الفاني المخلوق من تراب الأرض!
تجعله عظيماً لأنه موصول بالله تبارك وتعالى
(( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا
واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) .
وهي
إيمان ، وكل الأعمال بلا إيمان لا قيمة لها
ولا ثمرة قال الله تعالى : (( وما كان الله
ليضيع إيمانكم)) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس
قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة في
البيت الحرام – ولهذا
أيضاً بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك
الصلاة كفر ، فقال كما في صحيح مسلم : -(( بين
الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) وتركها أيضاً نفاق كما في قوله
عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه ((أثقل
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة
الفجر ولو يعلمون ما فيها لا توهما ولو حبواً
)).
والصلاة توبة . قال الله تعالى:- (( فإن تابوا
وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في
الدين )) وقال في الآية الأخرى : (( فإن تابوا
وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )).
والصلاة
ذكرُُ لله تعالى ، قال الله عز وجل (( إنني أنا
الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة
لذكري )) يعني لتذكرني بها .
والصلاة
طمأنينةٌ للقلب وسكينةٌ للنفس وهناء للروح ،
قال الله تعالى:- (( وصلّ عليهم إن صلاتك سكن
لهم)) .وفي حديث متفق
عليه أن أ سيد بن حُضير قام يصلي من الليل فقرأ
من سورة البقرة أو من سورة الكهف- اختلفت
الرواية –
فرأى بين السماء والأرض أمثال القناديل فجالت
الفرس حتى خشي على ولده فهدأ وسكن في قراءته
فعاد فعادت ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم : (( اقرأ يا ابن حُضير تلك السكينة تنزلت
لقراءة القرآن ، تلك الملائكة ، ولو قرأت
لأصبحت يتراءاها الناس بين السماء والأرض )) .
والصلاة
شكرُُ (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً
شكوراً )) .. بماذا كان عبداً شكوراً ؟! .. بكثرة
الصلاة .. ولهذا لما قالت عائشة كما في
الصحيحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد
أطال القيام حتى تفطرت قدماه : تفعل هذا وقد
غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال يا
عائشة أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ))
والصلاة
عونُُ للعبد على ما يعانيه ويواجهه من
المشكلات في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال الله
تعالى :-
((
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا
الخاشعين)) فالذين يواجهون مشاكل الدنيا
وصعوباتها ويتصدون لجلائل الأعمال ، خاصة من
أهل العلم ، وأهل الدعوة ، وأهل الجهاد الذين
يلقون التعب في هذه الدار ، ويواجهون من
المشاكل الصغيرة والكبيرة ، ويحط الناس بهم
كل قضاياهم وكل مشكلاتهم ، لابد أن يستعينوا
على ذلك بالصلاة وإلا عجزوا وانقطعوا . وكان
شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يصلي الفجر
ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى يتعالى النهار
ويرتفع ثم يصلي ركعتين ثم يقول : - (( هذه غدوتي
، لو لم أتغدها لم تحملني قدماي )).
والصلاة
مناجاة لله سبحانه وتعلى ووقوفُُ بين يديه
ولهذا قال النبي صلىالله عليه وسلم كما في
الصحيح
((
إذا قام العبد في الصلاة فإنه يناجي ربه )) . ثم
نهى أن يبصق العبد بين يديه أو عن يمينه ولكن
من تحت قدميه أو عن شماله ،والذي يناجي ربه
تعالى أنّى أن يقبل على غيره أو ينصرف عنه أو
يجعل بصره يلتفت يمنة ويسرة والله تعالى
قُبالة وجهه .
والصلاة
قربى وزلفى إلى الرب تعالى فإن العبد بعيد عن
الله إن غفل عن ذكره ، فكلما ذكر الله تعالى
وصلى اقترب من الله سبحانه ، ولهذا قال تعالى
(( أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى )) ثم قال في
آخر السورة (( كلا لاتطعه واسجد واقترب )) اقترب
إلى الله تعالى بالسجود له. وفي الصحيح أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أقرب ما يكون
العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء
فقمن أن يستجاب لكم )
والصلاة
كفارة ، قال الله تعالى : (( وأقم الصلاة طرفي
النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن
السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )) فالعبد يحترق
بالذنوب والمعاصي ، هذه نظرة حرام ، وهذه كلمة
ما حسب لها حساب ، وهذه خطوة إلى معصية ، وهذه
يدٌ تمتد إلى مالا يرضي الله ، وهذه .. ، وهذه ..
فإذا جاءت الصلاة كفَر العبد بها عن ذنوبه
وخطاياه وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن
العبد يغفر له ما بين الصلاتين ما لم يؤتي
كبيرة ، وذلك الدهر كله . ولما جاءه الرجل
يشتكي ذنباً. قال له النبي صلى الله عليه وسلم
(( أشهدت معنا الصلاة قال: نعم . قال : اذهب فقد
غُفر لك )) . وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم
كما في الحديث الصحيح –
الصلاة ب(( نهرغمر جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه
العبد كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شىء .
قالوا :لا يارسول الله .قال :
فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن
الخطايا والذنوب )).
والصلاة عصمة من الشيطان . ولهذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم (( إن الشيطان يئس أن يعبده
المصلون في جزيرة العرب )) وهي نور كما قال
عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه
مسلم :- (( والصلاة نور )) . وهي شغلٌ أي شغل ولهذا
في حديث ابن مسعود :- (( إن في الصلاة لشغلاً ))
يعني من أمور الدنيا بل حتى عن أمور الدين من
غير الصلاة مما لا يتعلق بها
.فإذا أقبل العبد على صلاته ينبغي أن يفرغ
قلبه من جميع الشئون والهموم ، ويقبل عليها
بقلب حاضر ولسان ذاكر .
وهي
أيضاً حقن لدم
الإنسان . ولهذا لما
وقف الرجل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو
يقسم الغنائم ، فقال: اعدل
يا محمد - وفي
رواية : - (( أنه قال : هذه قسمة ما أريد بها وجه
الله )) – فاستأذن
رجل من الصحابة في قتله فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم : لعله أن يكون يصلي )) فاعتبر
أن صلاته تعصم دمه من أن يقتل
.
ولما
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكّام الجور
وحكّام السوء قال بعض الصحابة : يا رسول الله
أفلا ننابذهم
ونقاتلهم ؟ قال : -(( لا.. ما صلوا ..))
وهي
ناهية عن الفحشاء والمنكر (( وأقم الصلاة
إن الصلاة تنهى
عن الفحشاء والمنكر )) .. بل هي أفضل الأعمال
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سئل
كما في الصحيح :- (( أي
الأعمال أفضل ؟ فقال :
((
الصلاة لوقتها )) .. وهي شعار الإخاء والحب و
المودة بين المصلين والمترددين على المساجد
وقد جاء في مسند الإمام أحمد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن
المملوك (( مملوكك كافيك ، فإذا صلى فهو أخوك ، فإذا
صلى فهو أخوك )) يعني العبد الذي تستخدمه إذا
أدى الصلاة فهو
أخوك ، فعليك أن تحسن معاملته وتبتعد عن
إيذائه بالقول أو بالفعل . بل هي وصية الله
سبحانه وتعالى لأفضل
خلقه للرسل عليهم الصلاة والسلام : -(( قال إني
عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني
مباركاً أينما كنت
وأوصاني بالصلاة والزكاة
مادمت حيا )) .
*
بالتالي فإن الرسل نقلوا هذه الوصية إلى
من وراءهم من أهليهم وأقوامهم وأتباعهم . قال
الله تعالى ..(( وكان يأمر أهله بالصلاة
والزكاة )) وقال
للنبي صلى الله عليه وسلم : ((وأمر أهلك
بالصلاة واصطبر
عليها لا نسألك
رزقاً نحن نرزقك
والعاقبة للتقوى )) وفي الصحيحين أن النبي صلا
الله عليه وسلم قام فزار البقيع ، فسلم على
أهل البقيع ثم صلى وقال : - (( إني أرى مواقع
الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر )) ثم قال عليه
الصلاة والسلام : -((
من يوقظ صواحب الحُجُرات
–
يعني أزواجه رضي الله عنهن –
يا رُبّ كاسية بالدنيا عارية
يوم القيامة )) وكان يقول في مرض موته الذي قبض
فيه صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة وما ملكت
أيمانكم)).
**كل
هذا شأن الصلاة فهل يا ترى
هذه المعاني العظيمة وهذه الدلالات
الربانية وهذه الأوصاف النبوية هل هي تصدق
على كل صلاة ؟ .. أم تصدق على تلك الصلاة التي
أمر الله بها رسوله
صلى الله عليه وسلم . لاشك أنه كم من مصلّ
يقول بلسانه ما ليس في قلبه حتى المنافقون
كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ،
وربما تأخروا عن بعض الصلوات كصلاة العشاء ،
وصلاة الفجر ،
ولكنهم ربما شهدوها وبالتأكيد
فهم يشهدون غيرها . وكثير من ضعفاء
والإيمان يصلون لكن لا تتحقق تلك المعاني
العظام في صلاتهم لإنها
صورة مجردة عن الحقيقة ،
ولهذا يجب أن نعلم : كيف صلى الأنبياء .
ثالثاً
: - نعم هكذا صلى
الأنبياء .
كل
الأنبياء بعثوا بالصلاة ولهذا لو تأملت هديهم
لوجدت الصلاة مذكورة في سيرة كل نبي . قال الله
تعالى
((
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من
ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية
إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا
تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً
)) ثم قال (( فخلف من بعدهم خلفُُ أضاعوا
الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غياً )) . إذن فالأنبياء بعثوا
بالصلاة وإذا قرأوا القرآن خروا ساجدين
خاشعين باكين لله تعالى . أما الذين من بعدهم
ممن غيروا وبدلوا وخالفوا هديهم فقد اتبعوا
الشهوات وأضاعوا
الصلوات . قال الله تعالى : - (( وهذا كتاب
أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم
القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة
يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون )) وكأن صلاة
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت متقاربة
في هيئتها وشكلها ومظهرها ومخبرها
وسرها وجوهرها . ففي حديث ابن عباس وابن
عمر وهما حديثان صحيحان أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّا معاشر
الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا
ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة
))
فهؤلاء
الأنبياء كلهم أمروا أن يقفوا بالصلاة خاشعين
لله تعالى مخبتين بين يديه منكسرين إليه
واضعاً أحدهم يده اليمنى على يده اليسرى على
جزءٍ من بدنه في صلاته على صدره أو غيره .
هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن
الأنبياء جميعاً .
ووضع اليد على اليد في الصلاة هو من هدي النبي
صلى الله عليه وسلم . وقد وردت فيه أحاديث
كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى درجة المتواتر
الذي ثبت ثبوتاً قطعياً ، أنه كان صلى الله
عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى
في الصلاة ، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد :
-(( كان الناس يأمرون الرجل أن يضع يده اليمنى
على يده اليسرى في الصلاة )) . وفي صحيح مسلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( مررت على
موسى وهو يصلي على قبره ))[1]
وقال
عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : -(( أفضل
الصلاة صلاة داود ..)) وذكر عليه الصلاة
والسلام أنه لما أُسري به
إلى بيت المقدس جُمع له الأنبياء هناك فصلى
بهم إماماً وهم يصلون بصلاته )) ولاشك والله
تعلى أعلم –
أن هؤلاء المأمومين من أنبياء الله ورسله
كانوا يقتدون بإمام الأئمة محمد عليه الصلاة
والسلام ، فإذا كبّر كبّروا ، وإذا قرأ أنصتوا
، وإذا قام قاموا ، وإذا ركع ركعوا ، وإذا سجد
سجدوا ، وإذا قعد قعدوا ، وإذا سلّم سلّموا من
ورائه صلى الله عليه وعليهم جميعاً
وسلّم فهذا ما
يقتضيه الشرع في
إقتداء المأموم
بالإمام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
)) فكيف تظن هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم
الصلاة والسلام صلوا خلف إمامهم- نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم –
إلا أن يكونوا يصلون بصلاته حذو القذة بالقذة
ويتبعونه في كل أفعاله عليه الصلاة
والسلام .
وفي
آخر الزمان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل على
المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيصلي الفجر مع
المسلمين يقتدي بإمامهم ويقول : (( أئمتكم أنتم
أئمة بعضكم لبعض تكرمة الله
تعالى لهذه الأمة )) ولاشك أن عيسى حين يصلي
سوف يقتدي بسنة سيد المرسلين عليه الصلاة
والسلام ، إذ أن شريعة
محمّد صلى الله عليه وسلم باقية إلى قيام
الساعة ، وهي حق واجب على كل الناس الذين
يأتون من بعده ، فبذلك تعلم أن جميع الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام بُعثوا بالصلاة
وأُمروا بها وأمروا بها
غيرهم ، وأن صفة الصلاة عند الأنبياء
جميعاً – والله
تعالى أعلم –
متقاربة ، بل حتى الملائكة هم يصلون ، ولهم
صلوات كصلوات المسلمين ، قيام وركوع وسجود ،
ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( نزل جبريل فأمسّني فصليت معه )) وفي الحديث
الذي رواه أهل السنن أن جبريل أتى في اليوم
الأول فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر
ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في أول
الوقت . وفي اليوم الثاني نزل عليه السلام
فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم
العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في آخر
الوقت وقال له : - ((
الصلاة بين هذين الوقتين )) وكذلك قال النبي
صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه .. ألا تصفون
كما تصُّف الملائكة عند
ربها ، قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟
قال : يُتمون الصف الأول فالأول ويتراصّون في
الصف )) وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن
وغيرهم وهو حديث صحيح عن أبي ذر وغيره أيضاً
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أطت
السماء وحُقّ لها أن تئط ، ما فيها
موضع شبر إلا وفيها ملك
واضع جبهته ساجد لله تعالى يسبح الله
ويحمده ، والله لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم
كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ،
وخرجتم إلى الصعدات تجأرون
إلى الله تعالى )) .. قال الله تعالى : - (( فإن
استكبروا فالذين عند ربك لا يستكبرون عن
عبادته ويسبحونه وله يسجدون )) . وصلاة
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كيفيتان
:-
الكيفية
الأولى : - الكيفية الباطنة : -
وهي
كمال الذل والخشوع لله تعالى وصدق التعبد
والإقبال عليه والإنقطاع
إليه عما سواه ولهذا قال الله تعالى : (( قد
أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ))
وقال : - (( إن الذين أوتوا
العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون
للأذقان سجداً
ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ،
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )) وقد
قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة
حتى أصبح . يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى
، وكان يرددها ويبكي كما في حديث أبي ذر عن
النسائي وغيره وهي قوله تعالى (( إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور
الرحيم )) فالخشوع سر الصلاة ولبُّها
وجوهرها وثمرتها ولاشك أن من الخشوع
قدراً واجباً يأثم المرء بتركه والتفريط فيه
كما في حديث أبي قتادة
الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه
وسنده جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- ((
أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قالوا
يارسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال لايتم
ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )) ولا شك أن
السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب فكون
النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم
خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد
سرق بل عد سرقته أسوأ سرقة وعدّه هو أسوأ
الناس سرقة هذا دليل على أن من إتمام الركوع
والسجود والخشوع في الصلاة
قدراً واجباً يأثم الإنسان بتركه ولا تتم
الصلاة إلا به ، ولا شك أن الخشوع من أعمال
القلب . وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح
، وفي الصحيحين من حديث النعمان : - (( إن في
الجسد مضغة إذا صلحت
صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا
وهي القلب فالأصل في أعمال الجوارح
أعمال القلوب ، فإن صلح القلب وأعماله
صلحت أعمال الجوارح
، وإذا فسد القلب وأعماله فسدت أعمال الجوارح
، والناس يتنافسون في
أعمال الجوارح ، فربما تنافسوا في التبكير
إلى الصلاة وربما
تنافسوا في الخشوع الظاهر في الصلاة
وربما تنافسوا في تطبيق السنن الواردة في
الصلاة ، وربما تنافسوا في تطويل الصلاة
وهذا كله حسن وجيد ومشروع وفي
ذلك فليتنافس المتنافسون ، وهو خير من
التنافس في الدنيا
أو في الأموال أو في الأولاد أو في غير ذلك ،
ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة
، أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة –
أعمال القلوب – ولكنهم
لا يتنافسون فيها
لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو
تلمسه اليد فهي سر لا يعلمه إلا العالم
بالأسرار والخفيات وهو الله سبحانه وتعالى .
وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( ما من
مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها
وركوعها إلا كانت
كفارة لما قبلها من
الذنوب ما لم يؤتى كبيرة ، وذلك الدهر كله ))
يا
سبحان الله !! .. أيُّ خير زيد بعد ذلك ؟ ! كفارة
لما قبلها من الذنوب !! .. وهي لا تستغرق منك
أكثر من عشر دقائق ! .. والمقصود : الذنوب
الصغيرة شريطة أن
يحسن وضوءها وخشوعها وركوعها . وفي الترمذي
ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال في الصلاة ((
تشهُّدُُ في كل ركعتين وتخشّع وتضرّع وترفع
يديك وتقول :يا للهم .. يا للهم
، فمن لم يفعل فهي خداج .. فهي خداج
)) وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : - (( والله ما يخفى عليّ
خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم )) . والخشوع
أيها الأحبة علمُُ ، ولا غرابة أن يتسابق
الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علمُُ
لبعض الأحكام .. لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى
المجالس التي فيها علم القلوب كعلم الخشوع أو
علم اليقين أو علم الإقبال على الله ومعرفته
ومحبته وغير ذلك .
فالخشوع
علمُُ لأنه علمُُ بالله وأسمائه وصفاته
ومعرفة لعظيم قدره ، حتى لا يكون في شيء أكبر
وأعظم من الله تعالى ، ولهذا تستفتح الصلاة
لتقول : - (( الله أكبر )) وغير الخاشع يعد من
الجاهلين ، وقد قال شداد بن
أوس
–
وهو صحابي – لجبير بن
نفيل : (( هل تدري ما ذهاب العلم ؟ قال : لا ، قال
: ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء . قال له
: أتدري أي العلم يرفع أول ؟ قال لا أدري : قال :
أول علم يرفع من الناس علم الخشوع ، يوشك أن
تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً
)) وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في مسنده
والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح .. وللخشوع
أسباب لابد من تحصيلها : -
1-
تفريغ
القلب ، .. فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا
المملوء بمشاكلها ،
والمستغرق بملذاتها وقضاياها ؟ أنّى له أن
يجد في قلبه خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة ،
فالصلاة تحتاج إلى القلب ، فإذا
احتاج العبد قلبه في الصلاة وجسده الآن
مشغول بهموم الدنيا فلا يفرغ لصلاته فلابد أن
يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً
وأبداً لأمر الآخرة ، ولأمر الدين ، لا يسمح
أن تملأ بشيء دنيوي قط .
2-
التبكير إلى المساجد ، وإحسان
الطهور ، والتنفل قبل الصلوات ، وقراءة ما
تيسر من القرآن فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من
الشواغل ويهيئه للإقبال على الله تبارك و
تعالى ، ولهذا شرعت
السنن الرواتب :
[ ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر أو
ركعتان ، وركعتان بعد العشاء ] وبين كل أذانين
صلاة :
[ ركعتين قبل العصر –
بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل المغرب –
بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل العشاء –
بين الأذان والإقامة ] . حتى يتفرغ القلب="mso-spacerun: yes" ويتجرد
للإقبال على الفريضة .
3-
الإقبال
على الصلاة ، بقراءتها وذكرها
ودعاءها ، فيتأمل العبد ماذا
يقرأ في صلاته وبماذا يدعوا أما أن يكون
في واد وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة
، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما
رواه أبو هريرة وابن
عمر وهو حديث حسن (( ادعوا الله وأنتم موقنون
بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من
قلب غافل لاهٍ )) . فلا بد أن يقبل العبد على ربه
ويدعوه وإذا قرأ
القرآن يعرف ماذا يقرأ ، وإذا ذكر الله يعرف
ماذا يقول .
4-
ألا يؤدي الصلاة وقلبه مشغول ، بل
ينتظر قضاء الصلاة ، ليذهب إلى حاجته ، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا صلاة بحضرة
طعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان
)) وذلك أن النفس إذا استشرفت إلى شيء من
أمر الدنيا طعام أو شراب أو عملاً أو خبراً أو
غير ذلك .فإن العبد يصلي
وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر في هذا العمل ،
ينبغي للعبد أن يخلص عمل الدنيا ويقبل على
صلاته بقلبٍ حاضرٍ متفرغ ، ولهذا وصف الله
سبحانه وتعالى الصالحين بالمحافظة على
الصلوات وهذا يشمل المحافظة
على الوقت ، والطهور وأعمال الصلاة
والخشوع وغير ذلك ، وبضدهم ذكر المنافقين
فقال : (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ))
وذكر المشركين فقال : - (( وما كان
صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديه)) وذكر
المرائين فقال:- (( فويلُُ
للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم
يراءون ويمنعون الماعون )) .. إن الصلاة عبادة
محضة ، ليس لها مرتبات .. وليس فيها فوائد
دنيوية ولا داعي أن نقول للناس أن العبد إذا
صلى كسب رياضة وصحة واستقام حاله ، وتخلص من
بعض الأمراض إلى غير ذلك ، .. كلا .. فالعبد لا
يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً
ولا ليكسب صحة ، ولا ليكسب ثروة ، ولا ليكسب
جاهاً ، ولا ليكسب مكانة اجتماعية ، إنما يمشي
هذه الخطوات إلى مسجد الله تعالى يضع جبهته في
التراب لربه تبارك وتعالى ويقول : - (( سبحانك
وبحمدك أنا عبدك وبين يديك ، اعترف بذنبي
واعترف لك بكل معاني الكمال والجلال
والجمال ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت))
فليس
في الصلاة كبير وصغير وليس فيها أمير ومأمور
ولا غني ولافقير بل الجميع فيها سواسية ،
أقدامهم سواء ، وأكتافهم سواء ، وجباهم
كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب . إذن :
هذه هي الكيفية الأولى والعظمى ، والكيفية
الباطنة لصلاة الأنبياء علهم الصلاة والسلام
. فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على
ربه أشد الإقبال . قال الله تعالى لنبيه صلى
الله عليه وسلم (( ياأيها المزمل . قم الليل إلا
قليلاً . نصفه أو
انقص منه قليلاً
أو
زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك
قولاً ثقيلاً )) عبء الدعوة
وتكاليفها ومسئولياتها
وهمومها وتبعاتها لا يقوم
لها إلا من استعان بالله تعالى وعبد الله
وصلى وذكر الله ولذلك
قال : - (( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)).
الكيفية
الثانية :
- الكيفية الظاهرة
والمقصود
بها أعمال الصلاة
وأقوالها ، وهذه أمرها كبير وطويل ، ولكني
اختصر شيئاً منها ، وسوف أتجاوز كثيراً من
الأشياء المعروفة المتداولة التي لا إشكال
فيها :
-1-
يرفع العبد يديه في مبدأ الصلاة
ويقول(( الله أكبر )) وهذه تكبيرة الإحرام ،
وبها يدخل الإنسان كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (( تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم )) فإذا كبر دخل في الصلاة وأحرم بها ،
فأصبح محرماً عليه أن يأكل أو يشرب أو يتكلم
أو ينصرف عن القبلة أو
يعاني أي عمل من أعمال الدنيا التي تتنافى مع
الصلاة ، وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة ،
وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير ، يرفعهما إلى
منكبيه كما جاء في
بعض الأحاديث –
أو إلى أطراف أذنيه – كما جاء
في أحاديث أخرى ، ورفعهما إلى المنكبين هو
مذهب الجمهور وأكثر الأحاديث عليه ولو رفعهما
إلى أطراف الأذنين فلا حرج ، فجاء ذلك في
أحاديث أخرى . وتوسط بعض أهل العلم فقال : يكون
أسفل اليد إلى المنكب وأطراف الأصابع إلى
فروع الأذنين ، وهذا الرفع مسنون عند : -
أ-
تكبيرة الإحرام
ب- تكبيرة الركوع
-ج- الرفع من الركوع
-د- القيام من التشهد الأول
فهذه
الأربعة مواضع ثبت
في الصحيحين من حديث
ابن عمر وغيره أنه
يشرع للإنسان أن يرفع يديه
فيهما مع التكبير أو مع التسميع(( يعني قول سمع
الله لمن حمده )) وهو سنة على كل حال كما هو
مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة
الأربعة .
-2-
بعد التكبير يستفتح العبد وهو سنة ليس بواجب
عند جميع أهل العلم ،
وأي دعاء ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز
أن يستفتح به العبد مثلاً (( سبحانك اللهم
وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك))
هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح مسلم
وغيره ، وجهر به عمر وعلمه الناس ورجحه الإمام
ابن القيم من نحو عشرة أوجه ، واختاره الإمام
أحمد ، وفي كتاب التوحيد لابن منده أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : - (( أحب الكلام إلى
الله : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك
وتعالى جدك ولا إله غيرك )) وسند الحديث
جيد . وغيره ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه عليه
السلام كان يستفتح فيقول : - (( اللهم باعد بين
خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم
نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس اللهم إغسلني من خطاياي بالماء والثلج
والبرد )) .
وإن
دعا بغير ذلك من الاستفتاحات الواردة وهي نحو
أربعة عشر استفتاحاً فلا
بأس بذلك ، ولو جمع بين استفتاحين لم يكن عليه
في ذلك إن شاء الله حرج ، كما رجحه الإمام ابن
تيميه رحمه الله ثم يتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم لقوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) .
-3-
يضع يده اليمنى على يده اليسرى – كما سبق –
وهذا يكاد أن يكون اتفاقا بين العلماء ، وخالف في ذلك القليل-
ثم
يضع يديه على صدره لحديث وائل بن حِجر قال :
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع
يده اليمني على اليسرى على صدره )) والحديث
رواه ابن خزيمه وفي
سنده ضعف ولكن له شاهد آخر مرسل صحيح عن طاووس
قال في صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم (( أنه كان
يضع يده اليمنى
على اليسرى ثم يشد بينهما على صدره )) والحديث
هذا رواه أبو داود وهو صحيح مرسل وبه يتقوّى
حديث وائل بن حجر رضي الله عنه .
وهناك
أقوال : بعضهم يقول : يرسل يديه ، وبعضهم يقول
يضعهم فوق السرة ، وبعضهم يقول : يضعهم تحت
السرة . وأود أن أقول : إن الأمر في ذلك كله
واسع ، أما السنة فلا شك
أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى هذا
ظاهر وليس إرسال اليدين ، ثم إن وضعها على
صدره أو تحت الصدر بقليل أو فوق السرة أو تحت
السرة فذلك كله واسع
، والأولى أن يضعهما فوق الصدر .. .. إنما لا
ينبغي أن تكون هذه مسألة من المعضلات ، وألا
تكون مثاراً للجدل والإشكال والقيل والقال ،
وينبغي أن يكون فيها تعاذر وتغا فر وتناصح ،
فلو خالفتني في هذه المسألة فلا حرج عليك إن
شاء الله ، وأرجو ألاّ تؤاخذني إذ خالفتك
أيضاً ، فإن الصلاة كما أسلفنا عبادة المقصود
فيها التقرب إلى الله تعالى ، وليس المقصود
فيها الجدل والقيل والقال وارتفاع الأصوات ،
واختلاف القلوب ، ولأن نضع أيدينا مختلفين
فهذا وضعهما تحت سرته ، وهذا وضعها على صدره ،
وهذا وضعها فوق سرته مع اتفاق القلوب ،
وسلامتها ، والنصح للمسلمين
لهو خيرُُ عند الله تعالى من أن
نفعل غير ذلك وتكون القلوب مختلفة
متنافرة مليئة بالبغضاء لإخوانك
المسلمين .
-4-
قراءة الفاتحة وهي ركن للإمام والمنفرد لقول
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة :- (( لا
صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) أما المأموم
فإن كان الإمام يسكت قرأ الفاتحة وإلا سكت
المأموم وتكفيه قراءة إمامه إن شاء الله
تعالى وفي ذلك أقوال كثيرة هذا أصحها وأرجحها – في ما ظهر
لي إن شاء الله – ولذلك
أدلة منها قول ربنا تبارك وتعالى
(( وإذا قُرِأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلكم ترحمون )) قال بعض المفسرين أجمع
العلماء على أن ذلك في الصلاة ، فإذا كان
الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة ،
فكيف نستثني منها لحالة الوحيدة التي يمكن أن
يقرأ فيها الإمام والمأموم ، وهي ألا يسكت
الإمام يعد قراءة الفاتحة ، فإذا لم يسكت
الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله ،
فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله . وقال النبي
صلى الله عليه وسلم عن الأئمة : - (( يصلون لكم
فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فعليهم
ولكم )) صحيح . فقول النبي صلا الله عليه وسلم –
يصلون لكم – دليل على
أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه . وكذلك قال
النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما جعل الإمام
ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كّبر فكّبروا
وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا
قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
، وإذا سجد فاسجدوا ..
..)) إلى غير ذلك ، فقوله : - (( وإذا قرأ فأنصتوا ))
بعد ما بّين ماذا يقول الإمام بيّن ماذا يقول
المأموم . فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ))
قال المأموم (( ربنا ولك الحمد )) .
وإذا
ركع الإمام ركع المأموم فبيّن ماذا يجب عليهم
جميعاً وهو (( الركوع ، والوقوف ، والسجود ،
وغير ذلك ، وبيّن ما يجب على الإمام دون
المأموم وهو مثل قوله (( سمع الله لمن حمده )) .
وبيّن
ما يجب على المأموم مع الإمام وهو قوله ((ربنا
ولك الحمد )) ثم قال (( فإذا قرأ فأنصتوا )) فدل
ذلك على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع
إمامه بالقراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة
الفاتحة . وقد جاء في ذلك حديث (( من كان له إمام
فقراءته له قراءة )) وهذا الحديث جاء عن أنس بن
مالك وابن عباس وأبي هريرة وابن سعيد وابن عمر
وجابر وغيرهم ، وصححه جماعة من أهل العلم
كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن
تيميه رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ
الألباني وغيره ، وضعفه آخرون . وعلى كل حال
فإنه لم يثبت قطعياً
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو
إمام حتى يتمكن من وراءه من القراءة . ولو كانت
قراءة الفاتحة واجبة على المأموم لسكت النبي
صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من
قراءتها . وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً
بعد ما انصرف من صلاة الفجر (( مالي أنازع
القرآن ، لعلكم تقرئون خلف إمامكم )) قالوا نعم
، فنهاهم –
قال الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما
يجهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة .
-5-
يقرأ بعد الفاتحة سورة استحباباً
لا وجوباً –
في الركعتين الأولين من الصلاة الرباعية وفي
الركعة الثالثة من الصلاة الثلاثية . ففي
الفجر يقرأ بطوال المفصل ، وقد قرأ النبي صلى
الله عليه وسلم في صلاة الفجر سورة السجدة
و (( هل أتى على الإنسان )) وقرأ سورة ق وقرأ
إذا الشمس كورت ، وغالب ما يقرأ
ما بين .6 إلى ..1 يقسمهما ما بين الركعتين
. أما في الظهر فإنها أقل من الفجر ولكنها
أطول من العصر ، وقد ثبت أن النبي صلى الله
عليه وسلم قرأ أحياناً في الظهر بطوال المفصل
فقرأ بالذاريات بل
قرأ في الظهر بلقمان ثبت
هذا عنه عليه الصلاة والسلام .
والغالب
أنه يقرأ قراءة أقل
من صلاة الفجر وأطول من صلاة العصر ، أما في
العصر فيقرأ بأواسط المفصل كسورة عمّ
والمطففين والتكوير والبروج ونحوها .
أما
المغرب فيقرأ أحياناً بالقصار كما في حديث
سليمان بن يسار أنه كان يقرأ بقصار المفصل ،
وقال أبو هريرة ((اذكرني هذا صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم )) ومثله حديث الصنابحي
وقد صلى خلف أبي بكر بالمدينة رضي الله
عنه وقد ذكر أنه كان يقرأ في المغرب بقصار
المفصل . وقد قرأ صلى الله عليه وسلم بالمغرب
بغير ذلك فقرأ بالطور مرة ، وقرأ بسورة
المرسلات بل قرأ بسورة الأعراف –
طولى الطوليْين – في مرة أو
أكثر.
أما
في العشاء فهو يقرأ فيها كالعصر بأواسط
المفصل وقد قرأ عليه الصلاة والسلام بالعشاء
((إذا السماء انشقت )) ذات مرة وسجد فيها .
وكذلك قرأ في الصحيحين من حديث جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : ((
أفتّان أنت يا معاذ ؟ لما أطال القراءة –
اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح
بسم ربك الأعلى . وهذا يتعلق بما يقرأه
الإنسان .
-6-
يركع الإنسان ويحني ظهره ويجعل ظهره مساوياً
لظهره كما قالت عائشة –
عن الرسول صلى الله عليه وسلم –
أنه : - (( إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوّ به ولكن
كان بين ذلك )) وكان
لو صُبّ على ظهره الماء لستقر من تساويه
واعتداله ، ورأسه كذلك كان مساوياً لظهره
عليه الصلاة والسلام وكان يقول في ركوعه
((
سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم )) أما
الوجوب فمرة لإنه صلى الله عليه وسلم لما نزل
قوله تعالى
((
فسبح باسم ربك العظيم قال : - (( اجعلوها في
ركوعكم )) وهذا يتحقق بمرة واحدة . وأما أدنى
الكمال فكما قال الفقهاء (( ثلاث )) ويدعوا في
الركوع أيضاً بما ورد وكان من دعائه صلى الله
عليه وسلم في ركوعه كما في حديث عائشة المتفق
عليه (( سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي ))
إلى غير ذلك من الأدعية.
-7-
يرفع رأسه ويقول (( سمع الله لمن حمده )) إن كان
إماماً أو منفرداً ، أما المأموم فلا يقولها
بل يكتفي بقوله (( ربنا ولك الحمد ))
وهذا الدعاء يشترك فيه الإمام والمأموم
والمنفرد فيقولون جميعاً (( ربنا ولك الحمد
حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه ملء السماء ، وملء الأرض ،
وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ،
أحق
ما
قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما
أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد
منك الجد ))
ما
معنى هذا الدعاء .. .. ؟! قد نردده ولا نفهم
معناه : -
((
ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً
مباركاً فيه ملء
السماء وملء الأرض وملء ما شئت من
شيء بعد )) يعني هذا الحمد الذي أحمدك يا رب
هو حمدٌ كثيرٌ طيبٌ لا ينتهي أ بداً يملأ
السماوات ويملأ الأراضي
ويملأ غيرهما
مما تشاء يا رب. ثم قال (( أهل الثناء والمجد ،
أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد )) كلنا عبيد
لك ، وأفضل وأعظم كلمة قالها عبد هي : - (( اللهم
لا مانع لما أعطيت )) هذه أعظم كلمة قالها
العبد وأحق كلمة قالها العبد :- (( اللهم لا
مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع
ذا الجد منك الجد )) فذوا الحظ والغنى .. . ذو
الملك والسلطان .. ذو المال والثراء .. ذو الصحة
والقوة ..لا ينفعه منك ذلك ، إنما ينفعه عمله
الصالح
أما
جدٌّه وحظه الدنيوي
فلا ينفعه ..
فليس
لإمرٍ قدر الله جمعه
مشتٌّ ، ولا مفرق الله جامع
فالعبد
الذي يقول هذا أنّى
له أن ٌيطأطأ
رأسه لغير الله ، أو يذل لسواه ، أو يطلب
الدنيا ويفتلها بالدين ، أو يضعف ويخاف من
الطواغيت وأعداء الله وأعداء رسوله عليه
الصلاة والسلام .. إن المؤمن الذي يقول هذا
الدعاء بقلبٍ حاضر سيمتلئ قلبه ثقة بالله
وتوكل وشجاعة وجرأة وقوة وإعراض عن الدنيا
وهكذا كانت مثل هذه العبادات
والأذكار والصلوات تخرج الناس خلقاً
آخر غير ما عهد الناس ، فكان الواحد منهم
يهجم على الموت ، يبحث عنه ويطلبه في فطانه رجاء أن يكتب الله تعا لى له أجر
الشهداء في سبيله . أما المسلم اليوم فإنه
يقول هذا الدعاء ثم يمد يده طلباً
للدنيا ، ويقول هذا الدعاء
ثم يخاف من القوى العظمى – كما تسمى..
أو يخاف من رجال الأمن ، أو يخاف من الدول ، أو
يخاف من أعدائه وخصومه ، أو يخاف من الجن –
كما نجد عند الكثيرين-
أو
يخاف من الشياطين ، أين الإنسان الذي يقول
بلسانه وقلبه يواطء لسانه
(( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا
ينفع ذا الجد منك الجد )) أن يطلب الدنيا من غير
الله تعالى ، أو يقف بباب غير باب الله تعالى ،
وهذا الموضع – موضع
القيام من الركوع –
هو موضع قنوت ودعاء فهو أحد المواضع التي يشرع
فيها الدعاء ، ففي الركعة الأخيرة
من الوتر ، وكذلك في غير الوتر في الصلوات
في النوازل والمصائب العامة التي تنزل
بالمسلمين ، ويمكن للإنسان
أن يقنت ولو سراً منفرداً ، أو غير منفرد ،
فيطيل الوقوف كما كان النبي صلى الله عليه
وسلم –
يطيله ، ويدعوا الله تعالى بما أحب من خيري
الدنيا والآخرة .
-8-
يهوي الإنسان بعد ذلك ساجداً لله تعالى .. وهل
يقدم للسجود يديه أم ركبتيه ؟
في
ذلك خلاف كثير طويل بين أهل العلم .. وقد نقل
الإمام ابن تيميه
رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو
ركبتيه صحيحة ، وإنما الخلاف في الأوْلى
والأفضل من ذلك إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه
المسألة قدرها فلا نعظمها ونجعلها مجالاً
للخصومات والعدوات والقيل والقال ، واختلاف
القلوب ، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً
رزيناً بعيداً عن التشنٌّج والانفعال والإثارة
، فنقول من أهل العلم من قال السنة أن يقدم
الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته .. بهذا
الترتيب ، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم
ورجحه جماعة من علماؤنا المعاصرين كسماحة
الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم . ومن أهل
العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم
ركبتيه –
إذا هوى إلى السجود – وكأن هذا
أشبه وأقرب إلى السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم
ركبتيه . وفي حديث أبي هريرة (( إذا سجد أحدكم
فلا يبرُك كما يبرُك البعير ، وليضع يديه قبل
ركبتيه )) ومثله حديث عمر بمعناه ، وهو أصح من
حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل
اليدين .
وعلى
كل حال فسواءً قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه
فإنه ينبغي ألا يشتبه بالحيوانات في هذا
الهويّ ، فإن الإنسان إذا انحط بجملته
وكُلّيته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير
، والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة ،
فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه
أن ينزل تدريجياً ،
وإن هوى بيديه أيضاً أن
ينزل تدريجياً أيضاً ،
وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض ،
فيباعد بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، ويرفع
ذراعيه ، ليعطي كل عضو حقه من السجود ويقول في
ذلك السجود :- ((
سبحان ربي
رد: الشباب و الصلاح
ندعوه عز وجل أن يتَقَبَّلْ مِنَّا ومنكم صَالِحَ الأَعْمَالِ وَيجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِه الكَرِيمِ..
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ
الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.
اخوكم في الله انور ابو البصل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى